سلطت دراسة جديدة الضوء على معلومات حديثة حول العلاقة بين الثروة والسعادة. ووجد علماء الاجتماع في جامعة بنسلفانيا الأمريكية أن أصحاب المليارات من الأمريكيين الذين يعيشون في قصور فارهة أسعد من سكان كينيا الذين يعيشون في أكواخ، وقلل بعض الاقتصاديين من أهمية الربط بين المال والقناعة، ما قد يؤدي لانتهاء أسطورة "القناعة كنز لا يفنى".
المال لا يشتري سعادة أكبر
وبحسب تقرير ترجمته وأعدته الصحفية رزان عدنان، ونشرته جريدة "القبس" الكويتية اليوم الخميس 19-7-2007 ذكر الباحث البريطاني ريتشارد لايارد في كتاب نشره عام 2005 أن الصعاب والتوظيف والصحة الخاصة بالأسرة جميعها شؤون تكمن أهميتها في تحقيق السعادة أكثر من أهمية دور الدخل في ذلك.
وقد تكون الدول الغنية أسعد من تلك الفقيرة، لكن خلف هذا يضعف التواصل، ولا يمكن للمال الكثير أن يشتري سعادة أكبر.
لكن استطلاعات جديدة تطرح بعض الشكوك حول هذه النظرية، إذ تضيف المزيد لهذا الجدل القائم من آراء بقولها إن النمو والدخل يلعبان جزءا كبيرا في تعزيز اكتفاء الناس في حياتهم ومواقفهم في المستقبل.
استطلاع عالمي
ووجه استطلاع لمجموعة "غالوب" العالمية سؤالا معياريا عن مدى اكتفاء المرء في حياته، وتدرجت النسبة من صفر إلى عشر نقاط.
وكانت النتيجة أنه في جميع البلدان الغنية (أمريكا، وأوروبا، واليابان، والسعودية) أجاب معظم الناس بأنهم سعداء. وفي جميع البلدان الفقيرة (إفريقيا بشكل رئيس)،أجاب الناس أنهم غير سعداء. وبدت خريطة وضعها انفوس ديتون من جامعة برينستون الأمريكية لنتائج الاستطلاع كرسم بياني للدخل في العالم. لكن هناك بعض الاستثناءات، ففي جورجيا وأرمينيا، وعلى الرغم من أنهما ليستا أفقر دول العالم، فقد حلتا ضمن أكثر عشرين بلدا بؤسا. أما كوستاريكا وفنزويلا رغم كونهما من الدول متوسطة الدخل فقد حلتا ضمن البلدان العشرين الأكثر سعادة.
أما البرازيليون فهم أكثر الشعوب سعادة وبهجة مقارنة مع مستويات دخولهم المتدنية.
لكن وبشكل عام، ترتبط مستويات السعادة المعلنة بالثروة. فالأغنياء من الأمريكيين أسعد من فقرائهم، والأثرياء من البرازيليين أسعد من فقرائهم أيضا.
وتؤكد دراسة جديدة أخرى صادرة عن ايبسوس هذه الصورة. إذ حلت هولندا على رأس قائمتها للبلدان الأكثر سعادة. في حين كانت فنلندا الأولى في استطلاع "غالوب". أما الصين فجاءت في قعر الاستطلاع. وتضمنت دراسة "ايبسوس" أسئلة حول الثقة في المستقبل، وهل سيكون الأطفال أفضل حالا من آبائهم، وهكذا.
علاقة بين الناتج المحلي والتفاؤل
وتبعا لدخل البلدان حاليا، وجدت الدراسة أن هناك ارتباطا وثيقا بين نمو إجمالي الناتج المحلي والتفاؤل.
واستخلص الاستطلاع أن الصين والهند وروسيا الأكثر تفاؤلا. في حين كانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا الأقل تفاؤلا.
وإذا كان الاستطلاعان صحيحين، فإن الصينيين هم الأتعس حاليا، لكنهم يتوقعون تحولا دراماتيكيا نحو الأفضل.
من ناحيته، لا يعتبر استطلاع "ايبسوس" متساويا بشكل دقيق مع استطلاع "غالوب" لأنه وللمرة الأولى يطرح أسئلة حول ما تسميه ايبسوس "قادة وصانعو الرأي العام". وأغلبيتهم ساسة ورجال أعمال.
تركيبة السكان
وكان لهذه المجموعة آراء مميزة، فهي تأخذ بوجهة نظر النخبة أكثر من تركيبة السكان بشكل عام.
ونتيجة لذلك، وجدت الدراسة أن الفجوة تتسع حدة بين إدراك وفهم النخبة والعامة في روسيا والهند والصين. ففي هذه البلدان، اتسمت مواقف نخبة الناس بالتفاؤل أكثر من بقية فئات الشعب.
أما في أوروبا وأمريكا، فكانت مواقف النخبة تقريبا متساوية أو أقل بنسبة ضئيلة مع بقية أفراد المجتمع من حيث التفاؤل.
ويرى أحد الخبراء البريطانيين أن المال الكثير لا يؤدي إلى مزيد من السعادة لا على المستوى الاجتماعي ولا حتى الشخصي والدليل على ذلك، ما قامت به بعض الدراسات في معظم البلدان الغنية، والتي أظهرت أن مستويات السعادة كانت راكدة خلال عقود، رغم ارتفاع معدلات الدخل بشكل حاد.
من جهة أخرى، يرتبط مؤشر السعادة بنواح مهمة في الحياة واحداها الصحة. وقد تكون قلة المال نقطة رئيسة بتدهور الصحة لدى الفقراء من الناس، ولهذا نجد الأغنياء أسعد من الفقراء لأنهم يشعرون بصحة وعافية دون غيرهم.
لكن القصة لم تكتمل بعد، فأكثر من نصف البلدان العشرين الأقل في مستويات الرضا والقناعة صحيا تركزت في الاتحاد السوفيتي سابقا أو أوروبا الشرقية على الرغم من أن مواطني هذه الدول يبدون في الإحصاءات جيدين نسبيا، والعكس تماما في أشد دول إفريقيا فقرا، التي أشارت إلى مستويات أعلى بالنسبة للقناعة الصحية.
أخيرا، أظهر استطلاع ايبوس أن مفهومي السعادة والتفاؤل ليسا مختلفين ودائما متناقضان.
فالصينيون ليسوا مكتفين لكنهم متفائلون والأوروبيون سعداء حاليا، لكنهم قلقون حيال المستقبل